وكان لعائشة رضي الله عنها منزلة خاصة
في قلب رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
لم تكن لسواها ، حتى إنّه لم يكن
يخفي حبّها عن أحد ،
وبلغ من حبّه لها أنه كان يشرب من الموضع
الذي تشرب منه ، ويأكل من المكان الذي تأكل منه ،
وعندما سأله عمرو بن العاص رضي الله عنه :
" أي الناس أحب إليك يا رسول الله ؟ " ، قال له : عائشة )
متفق عليه ، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم –
يداعبها ويمازحها ، وربّما سابقها في بعض الغزوات .
.gif)
وقد روت عائشة رضي الله عنها
ما يدلّ على ملاطفة النبي – صلى الله عليه وسلم –
لها فقالت: ( والله لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
يقوم على باب حجرتي ، والحبشة يلعبون بالحراب ،
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسترني بردائه
لأنظر إلى لعبهم من بين أذنه وعاتقه ، ثم يقوم من
أجلي حتى أكون أنا التي أنصرف ) رواه أحمد .
ولعلم الناس بمكانة عائشة
من رسول الله – صلى الله عليه وسلم - كانوا يتحرّون اليوم
الذي يكون فيه النبي – صلى الله عليه وسلم –
عندها دون سائر الأيّام ليقدّموا هداياهم وعطاياهم ،
كما جاء في الصحيحين.
ومن محبتّه – صلى الله عليه وسلم –
لها استئذانه لنساءه في أن يبقى عندها
في مرضه الذي تُوفّي فيه لتقوم برعايته .
ومما اشتهرت به عائشة رضي الله عنها غيرتها
الشديدة على النبي – صلى الله عليه وسلم - ،
التي كانت دليلاً صادقاً وبرهاناً ساطعاً على
شدّة محبّتها له ، وقد عبّرت عن ذلك بقولها له :
" وما لي لا يغار مثلي على مثلك ؟ " رواه مسلم .
وفي يومٍ من الأيّام كان النبي - صلى الله عليه وسلم -
عندها ، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين
بوعاء فيه طعام ، فقامت عائشة رضي الله عنها إلى
الوعاء فكسرته ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم -
يجمع الطعام وهو يقول : ( غارت أمكم ) رواه البخاري .
وكلما تزوّج النبي - صلى الله عليه وسلم –
بامرأة كانت تسارع بالنظر إليها لترى إن كانت
ستنافسها في مكانتها من رسول الله عليه الصلاة والسلام ،
وكان النصيب الأعظم من هذه الغيرة لخديجة
رضي الله عنها بسبب ذكر رسول الله لها كثيراً .
وعندما خرج النبي – صلى الله عليه وسلم –
في إحدى الليالي إلى البقيع ، ظنّت
أنّه سيذهب إلى بعض نسائه ، فأصابتها الغيرة ،
فانطلقت خلفه تريد أن تعرف وجهته ، فعاتبها النبي
– صلى الله عليه وسلم – وقال لها :
( أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ ) رواه مسلم .
.gif)
والحديث عن فضائلها لا يُملّ ولا ينتهي ،
فقد كانت رضي الله عنها صوّامة قوّامة ،
تُكثر من أفعال البرّ ووجوه الخير ،
وقلّما كان يبقى عندها شيءٌ من
المال لكثرة بذلها وعطائها ، حتى إنها تصدّقت
ذات مرّة بمائة ألف درهم ، لم تُبق منها شيئاً .
وقد شهد لها النبي – صلى الله عليه وسلم –
بالفضل ، فقال : ( فضلُ عائشة على النساء ،
كفضل الثريد على سائر الطعام ) متفق عليه .
ومن فضائلها قوله - صلى الله عليه وسلم -
لها : ( يا عائشة هذا جبريل يقرأ عليك السلام ،
فقالت : وعليه السلام ورحمة الله ) متفق عليه .
وعلى الرغم من صغر سنّها ، إلا أنها كانت
ذكيّةً سريعة التعلّم ، ولذلك استوعبت
الكثير من علوم النبي - صلى الله عليه وسلم –
حتى أصبحت من أكثر النساء روايةً للحديث ،
ولا يوجد في نساء أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -
امرأة أعلم منها بدين الإسلام .
ومما يشهد لها بالعلم قول أبي موسى
رضي الله عنه : " ما أشكل علينا أصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - حديثٌ قط فسألنا عائشة ،
إلا وجدنا عندها منه علماً " رواه الترمذي .
وقيل لمسروق : هل كانت عائشة
تحسن الفرائض؟ قال : إي والذي
نفسي بيده، لقد رأيت مشيخة أصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم -
يسألونها عن الفرائض " رواه الحاكم .
وقال الزُّهري : لو ُجمع علم
نساء هذه الأمة ، فيهن أزواج النبي
- صلى الله عليه وسلم - ، كان علم عائشة
أكثر من علمهنّ " رواه الطبراني .
وإلى جانب علمها بالحديث والفقه ،
كان لها حظٌٌّ وافرٌ من الشعر وعلوم الطبّ
وأنساب العرب ، واستقت تلك العلوم
من زوجها ووالدها ، ومن وفود العرب
التي كانت تقدم على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – .
ومن بركتها رضي الله عنها أنها كانت
السبب في نزول بعض آيات القرآن ،
ومنها آية التيمم ، وذلك عندما
استعارت من أسماء رضي الله عنها قلادة ،
فضاعت منها ، فأرسل
رسول الله - صلى الله عليه وسلم – بعض
أصحابه ليبحثوا عنها ، فأدركتهم الصلاة ولم يكن
عندهم ماءٌ فصلّوا بغير وضوء ، فلما
أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم
شكوا إليه ، فنزلت آية التيمم ، فقال
أسيد بن حضير لعائشة : " جزاكِ الله خيراً ،
فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لكِ
منه مخرجاً ، وجعل للمسلمين
فيه بركة " متفق عليه .
وعندما ابتليت رضي الله عنها
بحادث الإفك ، أنزل الله براءتها
من السماء قرآناً يتلى إلى يوم الدين ،
قال تعالى: { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم
لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ
منهم ما اكتسب من الإثم والذي توَلى كبره
منهم له عذاب عظيم ، لولا إذ سمعتموه
ظن المؤمنون والمؤمنات
بأنفسهم خيرا
وقالوا هذا إفك مبين }
(النور: 11-12).
وقد توفّيت سنة سبع وخمسين ،
عن عمر يزيد على ثلاث وستين سنة ،
وصلّى عليها أبو هريرة ، ثم دفنت بالبقيع ،
ولم تُدفن في حجرتها بجانب رسول الله –
صلى الله عليه وسلم - ، فقد آثرت بمكانها
عمر بن الخطاب ، فرضي الله عنهما
وعن جميع أمهات المؤمنين.